في عالم سريع التغير، باتت الجامعات تواجه تحديات كبيرة في توفير تعليم يواكب متطلبات سوق العمل. أحد أبرز هذه التحديات هو اختيار أعضاء هيئة التدريس القادرين على تزويد الطلاب بالمعرفة والمهارات اللازمة لدخول سوق العمل بكفاءة. في هذا السياق، يبرز تساؤل مهم: هل يمكن تعيين أساتذة بناءً على الخبرة العملية والشهادات المهنية فقط، دون اشتراط الماجستير أو الدكتوراه؟
فعلى مدار العقود الماضية، كان النموذج التقليدي لتعيين أعضاء هيئة التدريس في الجامعات يعتمد على المؤهلات الأكاديمية العليا، وخاصة الدكتوراه. ولكن في العديد من المجالات التطبيقية، مثل إدارة الأعمال، الامتثال، مكافحة الاحتيال، التكنولوجيا المالية، الهندسة التطبيقية، والصحافة، أصبحت الخبرة العملية والشهادات المهنية المتخصصة أكثر أهمية من المعرفة النظرية البحتة.
بعض الحجج الداعمة لهذا الاتجاه تشمل:
اولا: التوافق مع احتياجات سوق العمل فكثير من الخريجين يعانون من نقص المهارات التطبيقية، والاستعانة بممارسين محترفين يساعد في سد هذه الفجوة.
ثانيا: التعلم من الواقع العملي فالخبراء المهنيون يملكون معرفة حديثة مبنية على التجارب اليومية، وليس فقط على الأبحاث الأكاديمية.
ثالثا: التطور السريع في تخصصات، فبعض المجالات، مثل الأمن السيبراني والامتثال المالي، تتغير بسرعة، مما يجعل الخبرة العملية أكثر قيمة من الأبحاث النظرية طويلة الأمد.
رغم الفوائد المحتملة، فإن تطبيق هذا النموذج يواجه عدة عقبات، منها:
1- معايير الاعتماد الأكاديمي فمعظم الجامعات ترتبط بهيئات اعتماد تفرض شروطًا صارمة، من بينها ضرورة حصول أعضاء هيئة التدريس على شهادات أكاديمية عليا.
2- مكانة الجامعة وتصنيفها فبعض الجامعات تعتمد في تصنيفها العالمي على عدد حملة الدكتوراه ضمن كادرها الأكاديمي، مما يجعلها مترددة في توظيف خبراء مهنيين بدون هذه الدرجات.
فالتوازن بين النظرية والتطبيق ان هناك حاجة للجمع بين التعليم النظري والعملي، فالأكاديميون المتخصصون في البحث العلمي يقدمون فهمًا أعمق للنظريات، بينما يضيف الممارسون الخبرة التطبيقية.
كحل وسط لحل هذه الإشكالية، يمكن اتباع نموذج «الأستاذ الممارس»، الذي تعتمده بعض الجامعات المرموقة مثل هارفارد، وستانفورد. بموجب هذا النموذج، يتم تعيين خبراء مهنيين دون الحاجة إلى الدكتوراه، ولكن بشروط مثل:
امتلاك خبرة طويلة في المجال المهني والحصول على شهادات مهنية متخصصة معترف بها عالميًا وتقديم مساهمات واضحة في تطوير المهنة، مثل تأليف الكتب، المشاركة في المؤتمرات، أو تقديم استشارات لمؤسسات كبرى.
فمع تطور احتياجات سوق العمل، يصبح إشراك الخبراء المهنيين في التدريس الجامعي خيارًا لا يمكن تجاهله. لكن بدلاً من إلغاء شرط الماجستير أو الدكتوراه بالكامل، يمكن اعتماد نظام مزدوج يجمع بين الأكاديميين التقليديين والخبراء الممارسين، بحيث يحصل الطلاب على أفضل مزيج من المعرفة النظرية والخبرة العملية. إن تحقيق هذا التوازن سيجعل الجامعات أكثر قدرة على تخريج كوادر مؤهلة، قادرة على مواجهة تحديات سوق العمل الحديث بفعالية.